ما سمات الخطاب ”الأيديولوچي“؟ وهل هناك علاقة بينه وبين خطاب ”الكراهية“؟
رأينا في مقالة سابقة عند الحديث عن ”أسلحة الدمار الشامل“ كيف يقسّم الغرب العالم إلى قسمين: الغربُ وحلفاؤه من ناحية، وأعداء الغرب من ناحية أخرى.
ورأينا أيضا كيف يتباين وصف الأسلحة نفسها، إذ تكون ”أسلحة ردع“ حينما يطورها الغرب ويخزنها. وتصبح ”أسلحة دمار شامل“ إن طورها أعداء الغرب واحتفظوا بها.
هذا النوع من الخطاب يصنفه علماء اللغة تحت اسم ”الخطاب الأيديولوجي“، لأن المنخرطين فيه ينتمون عادة إلى أيديولوجية معينة، يسعون إلى ترويجها، والتهويل في إنجازاتها، والحط والتهوين مما يخالفها من أيديولوجيات أخرى.
المربع الأيديولوجي
وأظهرت البحوث اللغوية أن الخطاب الأيديولوجي يتسم بملمح مهم يمكن أن نسميَه ”المربع الأيديولوجي – Ideological Square“، وأضلاع هذا المربع هي:
التأكيد على ما لدينا من محاسن
التأكيد على ما لدى الخصم من مساوئ
إغفال ما لدينا من مساوئ
إغفال ما لدى الخصم من محاسن
هذه الاستراتيجية يمكن تطبيقها على كل مستويات الخطاب، ولذلك تركز الخطب السياسية، والمقابلات، والبرامج، والدعايات على الموضوعات المفضلة لدى جماعتنا، أو حزبنا، وعلى ما أحسنا في أدائه.
أما الأطراف المناوئة فنركز معها على الموضوعات السلبية، مثلِ الحرب، والعنف، والمخدرات، ونقص الحرية، وهكذا.
ومن هنا يربط كثير من السياسيين، ووسائل الإعلام في الغرب مثلا – كما يقول أحد علماء تحليل الخطاب – بين المهاجرين والأقليات، في المجتمعات الغربية، والمشكلات الموجودة في تلك المجتمعات، وحدوثِ الجريمة ونسبتِها.
وظلت الشيوعية لعدة عقود مرتبطة، في أذهان الغربيين، بالعدوان، ونقص الحرية، والأيديولوجية الجامدة.
وبناء على هذا أيضا يتجاهل الخطاب المناوئ للشيوعية تماما – أو يهوّن – من شأن ما قد تتمتع به المجتمعات الشيوعية مثلا من أمور جيدة في نواحي الخدمات الاجتماعية، والصحة، والتعليم.
وكلُ هذا نلحظه فيما يُقال ويُكتب الآن في وسائل الإعلام الغربية عن روسيا بعد بدء الحرب في أوكرانيا، وفيما يقال ويكتب أيضا عن الصين، وهما الدولتان اللتان اتخذتهما الولايات المتحدة عدوتين، وتبعتها في ذلك دول غربية أخرى حليفة.
هذا الخطاب الأيديولوچي الغربي بهذه السمات هو بلا شك خطاب كراهية، يماثل ما يشتد سعاره على صفحات وسائل التواصل على الإنترنت.
ومن سمات خطاب الكراهية – كما يقول دكتور بهاء الدين مزيد، في دراسته المنشورة باللغة الإنجليزية تحت عنوان ”لغة الكراهية في الخطاب العربي المعاصر“ – أنه يلغي ” الآخر المعارض“، لأنه يتوهم أنه هو وحده الذي يمتلك الحق أو الحقيقة.
ولغة الكراهية أيضا لغة استقطاب وإقصاء، هي لغة”نحن“ و”هم“. وهي تتسم بعدم اللياقة …
وهي لغة صدامية لا تهدف إلى التوفيق أو التوافق بل إلى الانتصار والاستعلاء، ولو على حساب الاعتبارات الاجتماعية والإنسانيّة.
وهي لغة انفعاليّة، ليس فيها مكان للعقل ولا فسحة للتثبّت أو التحقّق.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.