هل تساعدُ صياغةُ شعارات حمْلة انتخابية في فوز حزب سياسي بها؟
هدفُ الأحزاب السياسية، الذي لا مشاحة فيه في بلدان العالم التي تتبنى النظام الديمقراطي، هو الفوز في الانتخابات.
وهذا ما يسعى إليه الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، كل أربع سنوات.
ويصوغ كلُ حزب شعاراتٍ محددةً لحملته الانتخابية تروج لمبادئه السياسية.
ولعل أهم فرق بين الجمهوريين والديمقراطيين في أمريكا هو مسألة الضرائب.
فمن بين مبادئ الحزب الجمهوري تخفيضُ الضرائب عن أصحاب الأعمال ورؤوس الأموال والشركات.
وهذا يناقض سياسة الحزب الديمقراطي الذي يريد زيادة الضرائب على الرأسماليين وأصحاب الأعمال لتمويل برنامج الرعاية الاجتماعية الذي يُؤمن به لمساعدة أصحاب الدخل المحدود.
ومن المتوقع من أي مرشح جمهوري أن يرفع شعارا بـ”تخفيض الضرائب“ حتى يضمن الحصول على دعم الشركات وأصحاب الأعمال، وحتى يحصل أيضا على أصوات الناخبين المؤيدين للحزب الجمهوري.
لكنه إن رفع هذا الشعار فقد لا يستطيع إقناع الناخبين المؤيدين للحزب الديمقراطي الذي يسعى إلى زيادة الضرائب على الشركات وأصحاب رؤوس الأموال.
وماذا حدث في حملة چورچ بوش الابن الانتخابية؟
فماذا يفعل مرشح الحزب حتى يقنع الجمهوريين والديمقراطيين معا؟
هنا يأتي دور خبير الحزب في اللغة والتواصل واستطلاعات الرأي، وهو المستشار الذي يأخذ الحزب وأعضاؤه برأيه في كيفية صياغة شعارات الحملة لغويا بطريقة تقنع المقترعين بالتصويت لمرشح الحزب.
فمن هو يا ترى؟
فرانك لانتز
كان المستشارُ اللغوي للحزب الجمهوري خلال حملة بوش الابن هو دكتور فرانك لانتز.
فرانك إيان لانتز درس التاريخ والعلوم السياسية في جامعة بنسليڤانيا، ثم حصل على درجة الدكتوراه في جامعة أكسفورد البريطانية بأطروحة تتعلق بالحملات الانتخابية الأمريكية.
وسوف أقف عند لانتز في مقالة خاصة فيما بعد لما له من دور مهم في صياغة كثير من شعارات الجمهوريين.
يقول لانتز إن عمله هو: ”اختبار اللغة وإيجاد الكلمات التي من شأنها تحويل الرأي العام بشأن قضية معينة أو مرشح معين، أو مساعدة عملائه على بيع منتجاتهم“.
وهو يركز كثيرا على التأثير العاطفي للكلمات، و”تفاعل الجماهير مع الكلمات بناء على ما تثيره من عاطفة“. إذ إن 80 في المئة من حياتنا، كما يقول، نقضيه في مواقف تسيطر عليها العواطف، أما العشرين في المئة المتبقية فنقضيها في أعمال ذات صلة بالفكر. ويقول لانتز ”ما يهمني هو يشعر به الناس وليس ما يعتقدونه“.
كيف ساعدت صياغة شعارات حملة بوش في توليه الرئاسة في الولايات المتحدة؟
لكن ما الشعار الذي اقترحه لانتز على بوش لعرض سياسة تخفيض الضرائب في حملته؟
المصطلح الإنجليزي المعتاد في الحديث عن تخفيض الضرائب هو (tax cut)، لكن لانتز نصح حملة بوش بعدم استخدام هذا التعبير، لأنه لن يجتذب الديمقراطيين. واقترح على المسؤولين في الحملة تبني شعار لغوي آخر، هو (tax relief)، وهو يعني (تخفيف ألم الضرائب).
صياغة الشعار:
صياغة الشعار المقترح تعتمد على نظرية ”الصورة الذهنية“ التي يستحضرها الشعار إلى ذهن المتلقي. وكلما كانت تلك الصورة مثيرة للعواطف كانت أكثر تأثيرا في عقول الجماهير.
و”تخفيف ألم الضرائب“ صورة مثيرة للعواطف فعلا، نرى فيها شخصا متألما، بسبب صدمة أو حدث ما، ومخلص له من آلامه هو مرشح الحزب الجمهوري، چورچ بوش، الذي سيخفف عنه تلك الآلام.
يكمن الذكاءُ في صياغة هذا الشعار في أن من يعترض عليه، بدافع من رفضه لسياسة الجمهوريين تخفيضَ الضرائب، سيوصم بارتكابه عملا شائنا لأنه لا يريد تخليص الناس من ألم الضرائب ومعاناتها.
نظرية “الإطار الذهني”
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالصور الذهنية، ينبهنا إليها جورج لاكوف أحد أبرز علماء نظرية الإطار الذهني، وهي أن من يرفض صورة ذهنية ما، أو إطارا ما، قائلا مثلا ”أنا لا أقبل سياسة تخفيف ألم الضرائب“ فهو بهذا القول ذاته يدعم ما يرفضه، في ذهن المخاطب دون أن يدري. ويضرب لاكوف مثلا بما اعتاد أن يقوله لطلابه في بداية محاضراته عند شرح النظرية: ”لا تستحضروا إلى أذهانكم صورة فيل“. وينتهي الأمر بجميع الطلاب وقد أثار طلب لاكوف دون إرادة منهم صورة فيل في أذهانهم.
ويقول لاكوف إنك إن أردت رفض إطار ما، فعليك أن تطرح إطارا آخر بديلا يحل محله.
وبطرح الجمهوريين لهذا الشعار ”tax relief – تخفيف ألم الضرائب“، وقع الديمقراطيون في حيص بيص، فهم إن رفضوا الشعار فسيوصمون بالقسوة والفظاظة لأنهم لا يرغبون في تخليص الناس من ألم الضرائب. وسيدعمون في الوقت نفسه الصورة الذهنية أكثر في عقول الجماهير. وعليهم أن يجدوا شعارا بديلا يطرح صورة ذهنية أخرى مقنعة للجماهير ومعبرة عن سياستهم.
ونجحت حملة بوش بالفعل في كسب أصوات الجمهوريين، وكثير من أصوات الديمقراطيين أيضا، لتعاطفهم مع الصورة الذهنية التي فرضها شعار لانتز في عقولهم.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.