جوانب أخرى من اللغة: كيف ساعدت اللغة بوش في التمهيد لغزو أفغانستان والعراق؟

كيف مهدت اللغة لبوش غزو أفغانستان والعراق؟

غزو أفغانستان والعراق

تحدثت في مقالة سابقة عن دور الخبير اللغوي فرانك لانتز في صياغة شعارات حملة چورچ بوش الابن فيما يخص مسألة الضرائب.

وكان هناك شعار آخر في حملة بوش ساهم فيه صياغته لانتز أيضا.

فعندما أراد جورج بوش الابن شن الحرب على أفغانستان – عقب أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١ – لم يمهد للحرب برفع شعار مباشر، مثلَ ”سنحارب أفغانستان“، أو ”سنحارب طالبان“، أو ”القاعدة“، لكنه رفع شعارا آخر ذكيا يخدم مصالحه، ويكسب به تأييد الجميع، حتى المعارضين لفكرة الحرب. وكان هذا الشعار هو ”الحرب على الإرهاب“، وبالإنجليزية (war on terror).

وشن الحرب في الشعار سيكون على شيء مجرد هو ”الإرهاب“. لماذا؟

لأن شن الحرب – كما توحي الصياغة – يمكن أن يمتد إلى أي مكان، وأي دولة أو بلد، طالما ادعي أن به ”إرهابا“. ويمكن للحرب أيضا أن تطول لأي فترة زمنية، ولن تكون محدودة بزمن معين، بحسب ما تريده الحكومة الأمريكية، ولا يستطيع أحد أن يعترض على حرب يواجه فيها الإرهاب أينما كان، ووقتما شُنت، فليس للمحارَب مكان بعينه، وليس لمواجهته زمن محدد.

ذكاء الشعار الحرب:

يظهر الذكاء في صياغة الشعار في استبعاده احتمالات أخرى، مثلَ ”الحرب على الإرهابيين“، لأن الإرهابيين عددهم محدود، ولا يمكن شن الحرب في أي مكان، هنا وهناك بذريعة مقاتلة الإرهابيين.

وبناء على هذا الشعار شن بوش حربه على أفغانستان، وعلى العراق أيضا، باعتبارها حربا مشروعة بالنسبة إليه، ردا على ما حدث في الولايات المتحدة في ١١ سبتمبر ٢٠٠١.

وكان بوش قد مهد لحملته على أفغانستان في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي بمجلسيه في ٢٠ سبتمبر، بعبارته المأثورة التي قسم فيها العالم إلى قسمين قائلا: «إما أن تكون معنا، وإما أن تكون مع الإرهابيين“.

وحتى يمهد بوش لحملته الأخرى على العراق، بدأ في طرح مسمى جديد في خطاب الاتحاد في يناير ٢٠٠٢، وهو ما سماه ”محور الشر“ الذي أقحم فيه العراق وإيران وكوريا الشمالية.

وساند الرئيس الأمريكي الإطار الذهني الجديد (الحرب على الإرهاب)، مدعيا أن تلك الدول تدعم الإرهاب، ومركزا الهجوم على العراق في ذلك الخطاب الذي ألقاه في ٢٩ يناير ٢٠٠٢.

ويعود الفضل في صياغة مفهوم ”محور الشر“ إلى ديفيد فرم، الذي كان يكتب خطابات الرئيس بوش الابن آنذاك.

ونجح الرئيس الأمريكي من خلال ”الحرب على الإهاب“ في إقناع الأمريكيين وكسب تأييد أكبر عدد منهم للحرب على أفغانستان والعراق.

وبالرغم من أن بوش قسم العالم إلى معسكرين، معسكر معه ومعسكر مع الإرهاب، فإنه وحد الأمريكيين في الاصطفاف وراء حملته.

.

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.