رسم الهمزة: كيف نكتب ألف المثنى في الفعل (يقرأ)؟

رسم الهمزة والفعل المسند إلى فاعل مثنى

هل توجد أخطاء إملائية في طريقة كتابة الفعل في الجمل التالية؟

١- الوزيران يقرآن البيان

٢- الوزيران يقرأان البيان

٣- الوزيران يقرءان البيان

لب المشكلة في الجمل السابقة هي الطريقة، أو الطرقُ، المتبعةُ في كتابة الهمزة في العربية.

وما زاد صعوبة تمثيل الهمزة في الكتابة هو ما نسميه ”كرسيّ“ الهمزة. والهمزة هي الحرف الوحيد المحترم في العربية، لأننا آثرنا وضعه على كرسيّ، بل كراسيَّ، تكون حينا ألفا، وحينا آخر واوا، ومرة ثالثة ياء.

وكنا نستطيع تفادي هذه المشكلة وما يترتب عليها من صعوبات إن عاملنا الهمزة مثلَ أي حرف آخر، وكتبناها إما على السطر، وإما على الوصلة بين الحرف السابق والحرف التالي دون تخصيص كرسيّ، وشكلناها بما تحتاجه من علامات، فوقها أو تحتها.

والفعل المهموز الآخر، أي الذي ينتهي بهمزة في آخره، مثلَ يقرأ، ويبدأ، تكتب همزته على ألف لأن تلك الهمزة سُبقت بفتحة والهمزة ذاتها متطرفة، أي وقعت في نهاية الفعل أي طرَفه.

وتواجهنا مشكلة في هذا الفعل المهموز عند إسناده في الماضي أو المضارع إلى فاعل مثنى. فإننا نحتاج في تلك الحالة إلى أن نضيف رمز المثني، وهو ألف التثنية. 

فنقول في الماضي: الكاتبان بدأا كتابهما بمقدمة طويلة

وفي المضارع: المؤلفان يقرأان مقتطفات من الكتاب

وفي الأمر: قال الأب لولديه: ابدأا في القراءة واقرأا الفصل الأول.

في الأمثلة السابقة استخدمنا إحدى طريقتين في كتابة الفعل المهموز الآخر عند إسناده إلى مثنى. ونلاحظ فيها تتابع ألفين: الألف الأولى، وهي كرسي الهمزة، والألف الثانية هي ألف التثنية، وهي فاعل الفعل. 

وقد يعترض أحدكم على تلك الطريقة فيقول إن بها مشكلة في تتابع حرفين متماثلين هما الألفان. وهذا اعتراض وجيه، إذ يُعرف عن نحاة العربية كراهيةُ تتابع الأمثال كتابة، أي توالي الحروف المتماثلة حينما يأتي أحدها عقب الآخر.

وبناء على قاعدة كراهية توالي الأمثال، وتفاديا لتتابعها كتبنا: 

أاثار = آثار. 

وأحيانا ما نفعل الشيء نفسه في كتابة الفعل 

أأمر = آمر، 

وأأخذ = آخذ

وأأكل = آكل

فأبقينا في تلك الأمثلة جميعا الألف الأولى مع همزتها نطقا، ثم غيرنا الألف الثانية فرسمناها مدة ووضعناها فوق الألف الأولى، وزدنا صوت الهمزة طولا.  

الطريقة الثانية:

وهذا نفسه ما فعله بعض الكاتبين في الطريقة الثانية لكتابة الفعل المهموز الآخر عندما نسنده إلى المثنى. فكتبوا:

الكاتبان بدآ كتابهما بمقدمة طويلة

المؤلفان يقرآن مقتطفات من الكتاب

قال الأب لولديه: ابدآ واقرآ الفصل الأول

بيد أن في تلك الطريقة عوارا بينا، خاصة في حالة كتابة الفعل المهموز الآخر المسند إلى المثنى. وهذا العوار البيّن يكمن في أن ألف المثنى في تلك الحالة هي في الأصل فاعل الفعل، ولا يمكن أن يرمز للفاعل بمدة أبدا، ولا يمكن أن نقول عند الإعراب إن المدة هي فاعل الفعل. ولذلك يجب الحفاظ على ألف المثنى كما هي.

مشكلة الطريقة الأولى إذن هي قاعدة كراهية توالي الأمثال، وعيب الطريقة الثانية هي تغيير ألف المثنى – وهي فاعل الفعل – إلى مدة، وهذا أمر غير معتاد.

فما الحل إذن؟

الحل سهل وميسور، وقد وجدته مصادفة خلال قراءتي للقرآن الكريم في رسم المصحف. 

ويتمثل هذا الحل في كتابة الهمزة الأولى على السطر بدون كرسيّ، وإتْباعها بحرف المد. ومن أمثلة ذلك في القرآن الكريم:

نَحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ أَحۡسَنَ ٱلۡقَصَصِ بِمَآ أَوۡحَيۡنَآ إِلَيۡكَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ وَإِن كُنتَ مِن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلۡغَٰفِلِينَ (يوسف: ٣)

وَيُتِمُّ نِعۡمَتَهُۥ عَلَيۡكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعۡقُوبَ (يوسف: ٦)

لَّقَدۡ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٞ لِّلسَّآئِلِينَ (يوسف: ٧)

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُۥٓ ءَاتَيۡنَٰهُ حُكۡمٗا وَعِلۡمٗاۚ (يوسف: ٢٢)

وَلَقَدۡ هَمَّتۡ بِهِۦۖ وَهَمَّ بِهَا لَوۡلَآ أَن رَّءَا بُرۡهَٰنَ رَبِّهِۦۚ (يوسف: ٢٤)

وَلَئِن لَّمۡ يَفۡعَلۡ مَآ ءَامُرُهُۥ لَيُسۡجَنَنَّ (يوسف: ٣٢)

وَٱتَّبَعۡتُ مِلَّةَ ءَابَآءِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَإِسۡحَٰقَ وَيَعۡقُوبَۚ (يوسف: ٣٨)

واتبع الرسم العثماني الطريقة نفسها مع حرفي المد ”واو“ و”ياء“ المسبوقين بهمزة، في مثل:

(اقرءوا) في ”هاؤم اقرءوا كتابيه“

(يقرءون) في ”أولئك يقرءون“

(بدءوكم) في ”هم بدءوكم“

(ءَابَآءِيٓ) في ”ملة ءَابَآءِيٓ“

وأحسب أننا نستطيع تبني تلك الطريقة في حالة الفعل المهموز الآخر المسند إلى المثنى. ومسوغ ذلك، لمن يفتش عن مسوغ، هو تتابع الهمزة وحرف المد.

وقد يكون هذا هو ما دفع أستاذنا الدكتور عبده الراجحي رحمه الله، الذي كان أستاذا للعلوم اللغوية في جامعة الأسكندرية، إلى تبني تلك الطريقة في كتابه (التطبيق الصرفي).

وهكذا نستطيع كتابة أمثلتنا السابقة على النحو التالي:

 الكاتبان بدءا كتابهما بمقدمة طويلة

المؤلفان يقرءان مقتطفات من الكتاب

قال الأب لولديه: ابدءا واقرءا الفصل الأول

وإن فعلنا ذلك نكون قد حافظنا على الهمزة وعلى ألف المثنى التي تمثل فاعل الفعل، بغض النظر عما قد يقال بشأن طريقة كتابة الهمزة هنا في ضوء القواعد التقليدية لكتابتها.


اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

للمشاركة على :

اترك تعليقك

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.

اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading