يوميات زائر لمصر ”الجديدة“: ١- مجمّعات وراء الأسوار

مدينة الشيخ زايد

زرت قبل أيام مصرنا الحبيبة، واقتصرت زيارتِى على مدينة القاهرة، وإن كنت قد قضيت قسطا وافرا من وقتِى فِى مدينة الشيخ زايد. وهِى إحدَى المدن الجديدة التِى أخذت تتناثر حول العاصمة المصرية والجيزة.  

شعرت وأنا أتجول داخل المدينة أنِى لست فِى مصر، بل فِى بلد آخر، وأحسست بالغربة بين ساكنيها، وكأنِى ”مصرِى“ فِى مدينة خليجية.

وما جعلنِى أحس بالغربة هو تلك المجمعات السكنية المغلقة على ساكنيها، التِى تحوطها أسوار لا يستطيع زائر اختراقها إلا عبر مداخل محددة يحميها أفراد أمن، وترقب الحركة حولها آلات تصوير مثبتة هنا وهناك. 

مصر التِى أعرفها تفتح ذراعيها لمن يعيشون فِى أحضانها وللقادمين إليها، ولا توصد أبوابها ونوافذها أمام الزائرين، ولا تعزل أبناءها فِى مجمعات سكانية مسوّرة مغلقة.

وفكرة المجمعات السكنية، فِى رأيي، فكرة خليجية، نشأت فِى دول الخليج التِى كان كثير منها يُعرف حتى وقت قريب باتجاهاته المحافظة. وأحسب أن الهدف وراء إنشائها كان عزل الموظفين والعمال الأجانب فِى تجمعات وبؤر سكانية فِى مناطق معينة، حتى لا يختلطوا بأهل تلك الدول المحافظة. 

مدينة الشيخ زايد
فكرة المجمعات السكنية، في رأيي، فكرة خليجية، نشأت فِى دول الخليج والهدف وراء إنشائها كان عزل الموظفين والعمال الأجانب فِى تجمعات وبؤر سكانية.

لكن وظيفة تلك المجمعات السكنية فِى المدن الجديدة فِى مصر ”الجديدة“ اتخذت منحى آخر، إذ أصبحت تجمعات وبؤرا ”طبقية“ ينعزل فيها أبناء بعض الطبقات الثرية فِى مصر ”الجديدة“ عن بقية أفراد الشعب وعامة الناس. 

لكن تلك المجمعات فِى المدن الجديدة لما تزل تفتح أبوابها لهؤلاء العامة والفقراء من المصريين ليدخلوها خدما وسائقين وعمالا فِى مجالات شتى لأبناء الطبقة الغنية. 

وهذا أيضا ما يحدث فِى دول الخليج التِى تستوظف الآلاف من الأجانب، وتفتح لهم أبوابها مُشرعة، لكنها تغرِى الكثيرين منهم بالانعزال فِى تلك المجمعات السكنية.

مصر التِى أعرفها والتِى أعشقها بلا أسوار. مصر القديمة، ووسط البلد، وميدان العتبة، وميدان الأوبرا، وميدان الجامع، والسيدة زينب، والحسين، والإمام الشافعِى، والسيدة عائشة، وشارع فيصل، وميدان الجيزة، وإمبابة.

مصر التِى أحبها هِى مصر المدن الجميلة المفتّحة الأبواب، مصر المقاهِى والدكاكين والمطاعم ذات اللافتات العربية القحة، التِى لم تهجرها من أجل أسماء أعجمية لم يعرفها أبناء البلد الأصلاء.         

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.