أثار ما كتبته أمس عن المجمعات السكنية فِى المدن الجديدة فِى مصر المحروسة بعض ردود الفعل.
وأنا أحترم وجهة نظر جميع من أبدوا رأيا، لكنِى أقول إن ما أكتبه فِى هذه اليوميات ليس سوى خواطر تعبر عن وجهة نظرِى، التِى قد تكون مشحونة عاطفيا بحبِى لمصر التِى عشقتها وعرفتها قبل سنوات خلت وبرفضي لما واجهنِى فِى زياراتِى الأخيرة.
وحينما عدت إلى مصر بعد انتهاء دراستِى فِى بريطانيا، قبل سنوات، استأجرت شقة قريبة من ميدان الجامع فِى حىّ مصر الجديدة. ثم رغبت فِى شراء شقة تكفينِى غلاء الاستئجار، ولم أشأ أن آوِى إلى إحدى المدن الجديدة، التِى يفخر ساكنوها بنظافتها وبالأمن فيها، بل توجهت شطر حىّ يعج بالحياة وبضجيج المصريين البسطاء، تستطيع فيه أن تتمشى فِى أي وقت صباح مساء، وتشتري الخبز والفلافل والزبادِى دون الحاجة إلى ركوب سيارة، ولست أمتلك حتى الآن واحدة. كان هذا حىّ فيصل فِى الجيزة.
ولم أضجر من الحىّ ولا من صخب من يقطنون فيه، بل أحسست معهم بالأمن والسلام. فلست أحب العزلة بالرغم من طبيعتِى الانطوائية.
عزلة ”المولات“:
ولا تقتصر عزلة أبناء الطبقة الغنية فِى المدن الناشئة فِى مصر ”الجديدة“ عن أبناء الشعب على مجمعاتها السكنية، بل اتسع نطاقها عندما وفرت لهم المدن الجديدة مجمعات تجارية داخلها، لم يجدوا لها اسما في العربية فأبقوا الاسم الأعجمي ”مولات“ علما لها، تحفل بالمحال التجارية الأجنبية التِى جلبت منتجات المصانع الغربية ذات العلامات التجارية المشهورة إلى المفتونين بها حيث يعيشون. وتكثر فيها المقاهِى والمطاعم وملاعب الأطفال، ودور السينما.
ووفرت لهم أيضا نوادِى رياضية واجتماعية يدفعون نظير الحصول على عضويتها آلاف الجنيهات.
وعلى الرغم من أن تلك المجمعات التجارية مفتوحة الأبواب للمرتادين، وليست حكرا على ساكنِى المدن الناشئة، فإن أسعار البضائع والمأكولات والمشروبات فيها قد تكبح رغبة أى زائر من سكان مصر القديمة فِى التمتع والإنفاق كما يشاء.
وهكذا ستظل تلك المجمعات التجارية أو ”المولات“ فِى المدن الجديدة ونواديها ملاذا ومرتعا لأبناء الطبقة الغنية وأطفالهم، لأنهم هم وحدهم الذين تسمح لهم قدرتهم الشرائية بالتبضع والأكل والشرب والترفيه.
بعد جولة فِى أحد تلك المجمعات التجارية فِى مدينة الشيخ زايد ساورني شعور غريب حيال ما فِى جيبِى من جنيهات مصرية. إذ أحسست أن الجنية هنا فقد هيبته وقيمته، بل لم تعد ثمة قيمة للمئة جنيه، ولا للألف جنيه.
فقد تضاءل الجنيه ”المسكين“ وانكمش خجلا أمام سعر بنطال في أحد المحال الأجنبية من ذوات العلامات التجارية الفرنسية أو الإنجليزية على ما أذكر، حينما سألت البائع مستعلما:
– بكم هذا البنطال، من فضلك؟
فرد علىّ في هدوء أعصاب حسدته عليه:
– ستة آلاف
وأغفل البائع ذكر الجنيه المأسوف عليه بعد هذا المبلغ.
ولا أدرِى إن كان سكوته عن ذكر الجنيه بسبب أنه أصبح معتادا على تلك الأسعار، أم لأنه كان يشعر بأنه لم يعد للجنيه قيمة تُذكر!
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.