لم يستثر غضبِى سعر البنطال الذِى تحدثت عنه أمس، بل صدمنِى.
لكن ما أهاج حفيظتِى فعلا وأحزننِى – خلال تجولِى فِى بعض المجمعات التجارية في الشيخ زايد – هو حال اللغة العربية البائس فيها.
وحال العربية فِى العالم العربِى بعامة لا يسر.
فهِى تعانِى، فِى جانبها الفصيح، من مزاحمة اللهجات العامية على ألسنة غير المتعلمين، فِى الشوارع والأسواق. كما تصارعها تلك اللهجات أيضا، لغةً للتدريس، فِى كثير من دور التعليم فِى مراحله المختلفة، حتى فِى أقسام اللغة العربية ذاتها فِى كليات الآداب والتربية.
وهِى أيضا قبعت حبيسة نشرات الأخبار فقط فِى وسائل إعلامنا، وأجبرت على ترك ساحة جل البرامج، واللقاءات الإذاعية والمتلفزة.
وهِى باهتة المظهر فِى لافتات المحال فِى شوارع مدننا الكبرى، بل تكاد تتوارى أمام أسماء أجنبية مسخ فِى كثير من تلك اللافتات، كانت عند بدء زحفها تتبرقع بأحرف عربية.
أما الآن، وفِى مجمعات الشيخ زايد التجارية، أو ”مولاتها“، فخلعت المتاجر الأجنبية براقع الأحرف العربية، وكشفت هويتها الأجنبية – إنجليزية أو فرنسية – سافرة فِى تحد توارت معه العربية.
فلم أعد أرى فِى ”المولات“ التِى زرتها متجرا يحمل اسما عربيا إلا نادرا. وأحسست خلال تجوالِى كأنِى أسير فِى مجمع متاجر فِى لندن أو باريس.
ولم تتوار العربية فِى مجمّعات المتاجر فِى مدينة الشيخ زايد عن لافتات المحال فحسب، بل غابت أيضا على ألسن بعض البائعين الذين أصبحت لغتهم، بلا حياء، عربية هجينة بمفردات إنجليزية.
وهذا كله نسخة أخرى من مجمعات المتاجر، أو ”المولات“، فِى دول الخليج، التِى تغرب شمس العربية فيها: فِى لافتات المتاجر، وعلى ألسنة الشباب، مقابل لغة هجينة، أطلق عليها بعض الكتاب مصطلحا دقيقا هو ”عربيزِى“.
ولكن كيف يستقيم هذا فِى مصر المحروسة التِى تنص المادة الثانية من دستورها على رسمية اللغة العربية؟
وأين التمسك بتلك اللغة الرسمية فِى مجمع متاجر فِى مدينة الشيخ زايد اسمه ”مول العرب“، أو آخر اسمه ”مول مصر“؟
يفاجئك ذلك وأنت لما تزل عند المدخل، وقبل أن تخطو بضع خطوات إلى الداخل حيث تصطف محال ومقاهٍ أجنبية، اسما ورسما، بالرغم من أن قدمك لم تبرح أرض مصر ”العربية“!
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.