كانت المقاهي من معالم المدن فِى مصر، تجدها فِى الميادين فِى كل مدينة من مدنها القديمة. أما المدن الجديدة فقد اختفت منها المقاهِى بعد أن زاحمتها مقاهٍ أجنبية غريبة علينا بمشروبات غربية، وزادت على المشروبات ساندوتشات وبعض المأكولات.
وأخذت المقاهِى الأجنبية، مثل ”كوستا“، و”ستاربكس“، و”نيرو“ وغيرها، مما أصبح يعرف بالـ“كافيه“، تنتشر أيضا في أحياء القاهرة القديمة وميادينها العريقة.
وانحسر وجود المقاهِى ”البلدية“ إلى بعض المناطق السياحية، مثل خان الخليلِى والحسين وغيرهما، كمقهى الفيشاوِى الشهير ومقهى ”ريش“.
وكانت المقاهِى البلدية ملتقى لأبناء المنطقة، ومكانا يتواعد فيه الأصدقاء أيام زمان، وكان بعضها ملتقى للأدباء والكتاب والمفكرين، قبل أن تعرف القاهرة ظاهرة النوادِى الاجتماعية ذات العضوية الباهظة الثمن.
وكانت المقاهِى البلدية تقدم عددا معروفا من المشروبات، على رأسها القهوة، التِى صارت لكثرة تناولها اسما يطلق على المقهى ذاته، من باب المجاز. وتقدم أيضا، إلى جانب القهوة، الشاى، والحلبة، واليانسون، والزنجبيل. كما كانت تقدم كذلك النرجيلة، أو الشيشة، لمدخنِى التبغ. ولم تكن تقدم، بحسب معلوماتِى، أى مأكولات.
وكان معظم رواد تلك المقاهِى البلدية من كبار السن أو متوسطِى العمر، ولم يكن جلوس شاب ومن في مقتبل العمر فِى أي مقهى أمرا مألوفا.
أما الآن، وبعد انتشار ”الكافيهات“، فقد تغير الحال، واختلفت بعض العادات، كما لاحظت خلال زيارتِى الأخيرة إلى مصر.
إذ أصبحت المقاهِى العصرية مكانا يقصده الشباب أكثر من غيرهم، ولفت انتباهِى كثرة عدد الطلاب من روادها. ترى كل واحد، أو واحدة، منهم منكبا على جهاز حاسوب محمول، منهمكا في قراءة، أو منخرطا في كتابة، فِى زوايا المقهى هنا وهناك.
وهِى أيضا ملتقى للعشاق بعيدا عن أعين الأهل والرقباء.
بيد أن من العادات السيئة التِى اختفت مع انتشار المقاهِى الأجنبية تدخين الشيشة. وهذا شىء، فيما أحسب، جاء بدون قصد. فليست الشيشة شيئا معروفا فِى كافيهات الغرب، بل هِى من عادتنا نحن السيئة. وعندما حصل بعض المصريين على توكيلات تلك ”الكافيهات“ الأجنبية، نقلوا ما فيها فِى الغرب بحذافيره، عدا بعض التعديلات التِى يفرضها دين البلاد الرسمِى فِى بعض المأكولات أو المشروبات.
وارتياد الطلاب للمقاهِى أمر لم تعرفه المقاهِى البلدية، ولكنه معروف فِى مقاهِى بريطانيا القريبة من الكليات الجامعية خلال فترات الامتحانات.
وتفسير ابنتِى لهذه الظاهرة في مصر، حينما سألتها، هو حب الشباب لـ”التظاهر“، فإن أردت مقابلة أحدهم أو إحداهن، فهم فِى ”الكافيه“ الأجنبي الفلانِى.
لكنِى أضيف إلى ذلك شيئا قريبا منه، وهو حب التمسح بالغرب: لغاته، وأزيائه، وقصات شعره، وكثير من صرعاته، وبعض مشروباته ومأكولاته، ومقاهيه، والتفاخر بكل ما هو أجنبي.
وينطبق هذا أيضا على سلاسل مطاعم الوجبات السريعة، مثل ماكدونالدز، وكنتاكي فرايد تشِكن، التِى يقبل عليها الشبان في مصر وتصحب أسر أطفالها إليها، بالرغم من ارتفاع أسعارها، إشباعا لرغبة التمسح بمطاعم الغرب والتفاخر بارتيادها.
ولا أنسى اليوم الذِى دعانِى فيه أحد أقاربِى فِى القاهرة قبل سنوات، وكنت قد عدت لتوِى من بريطانيا للتدريس فِى مصر.
وحينما التقينا عرض علىّ فِى زهو:
– ما رأيك أن أعزمك على العشاء في ماكدونالدز؟
فابتسمت وكتمت ضحكة كادت تفلت منِى، ثم اعتذرت بأنِى أكلت قبل ساعة.
وأدركت أن ماكدونالدز، وسلاسل الكافيهات الغربية الشهيرة، في مصر أضحت مكانا يدعو إليه الناس – بفخر – من يحبون أو من يعتزون بعلاقته، بالرغم من أنها في بلادها ليست سوى مطاعم ومقاهٍ شعبية يرتادها العامة.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.