كيف غيرت عاداتِى فتغيرت حياتِى؟

كيف غيرت عاداتِى فتغيرت حياتِى؟

إذا أردت أن تغير حياتك، فيجب أن تغير بعض عاداتك. 

فالإنسان مجموعة من العادات. وجوهر سلوكنا اليومِى هو عدد من العادات التِى نتبعها كل يوم، منذ ساعات الصباح الأولى وحتى خلودنا إلى النوم. 

وقد اكتسبنا هذه العادات بالالتزام بها كل يوم، وما نكتسبه واعتدنا عليه يمكن أن نقلع عنه. 

ولكن لماذا نلتزم، لا شعوريا أحيانا، بتكرار عاداتنا اليومية؟ لأنها توفر لنا كثيرا من الجهد والوقت. 

وما تكرره يوميا فِى حياتك يصبح أداؤه بعد فترة آليا تمارسه تلقائيا بدون تفكير واع منك. إذ إن عقلك الباطن يتولّى أمره. ندرك ذلك مثلا فِى تنظيف أسناننا، وفِى قيادة السيارة، وفِى استخدام هواتفنا المحمولة وأجهزة الكمپيوتر، مما نؤديه بالطريقة ذاتها كل مرة فِى كل يوم بلا تدخل من العقل الواعِى.  

وأكبر دليل على آلية أداء تلك العادات هو قدرتنا على مواصلة أىّ حديث مع الآخرين خلالها، أو الاستماع إلى الموسيقى والاستمتاع بها، أو إجراء مكالمة هاتفية.

ومع مرور الوقت وكر الزمن نجد أنفسنا وقد انغمسنا فِى ممارسة عادات سيئة لا فائدة ترجى من ورائها، بل أضحينا ”عبيدا“ لها ولا نستطيع الفكاك منها، بعد أن صرنا ”مدمنين“ عليها.

ولعل أوضح مثال على ذلك هو ”التدخين“. ومن العادات السيئة أيضا هذه الأيام الإدمان على تصفح الإنترنت، ووسائل التواصل الاجتماعِى، ومشاهدة مواقع العرى.   

كيف نغير عاداتنا خطوة خطوة؟

تغيير تلك العادات المدمرة صحيا وبدنيا ونفسيا وماليا لنا ممكن، لكنه قد يكون صعبا. 

وترجع إمكانية تغيير العادات إلى طبيعتها، فهِى كما قلت مكتسبة، وكل مكتسب يمكن تغييره والتخلص منه. 

أما الصعوبة التِى تكتنف تغييرها فتعود إلى الطبيعة المعقدة للعادة التِى نمارسها كل يوم، وارتباطها بأمور أخرى تتعلق بالزمن والوقت الذِى نميل إلى ممارستها فيه، وأحيانا بالمكان الذِى نرتاح إلى أدائها فيه.

ومن يريد التغلب على تلك الصعوبة ينبغِى له أولا أن يفصمها عما ترتبط به حتى يسهل عليه تغييرها. فإن كان ”مدخنا“ يرتبط التدخين لديه بالسيجارة التِى يحلو له إشعالها عقب الغداء أو العشاء مثلا، كما كنت أفعل فِى زمن مضى، فعليه، أن يفك هذا الارتباط، ويبدأ بالإقلاع عن التدخين بعد الأكل. 

وعليه أن ينتبه إلى سلوكه الذِى يتبعه لا شعوريا عقب الانتهاء من وجبته، وتوجهه إلى علبة سجائره بلا وعى وفتحها وهو شبه مخدر وتناول واحدة منها وإشعالها. 

وعقب الانتباه بوعى إلى السلوك يأتِى قرار كسر هذه السلسلة المتتابعة من التصرفات والإعلان عن ذلك القرار بصوت مسموع لنفسه ولمن حوله حتى يقوى عليه: ”أنا لن أدخن اليوم بعد الأكل“. 

ولو استمر ”المدخن“ فِى التمسك بقراره (ألا يشعل سيجارة بعد الأكل) كل يوم لكان قد خطا أول خطوة نحو الإقلاع التام عن عادة التدخين. إذ إنه يستطيع بعد ذلك، إن توفرت لديه الرغبة الجامحة فِى ترك التدخين، وإن تحلى بالإرادة وبالإصرار المطلوبين، أن يباعد بين شرب القهوة والسيجارة، إن كان ممن يربطون التدخين بشرب القهوة مثلا، أو أن يقرر رفض أى سيجارة يقدمها أحد الأصدقاء إليه إن جمعته جلسة مع مدخنين، أو أن يحد بقرار ذاتِى من عدد السجائر التِى يدخنها كل يوم، وهكذا.

تغيير العادة إذن يمكن بدؤه خطوة خطوة.

لكن أصحاب النفوس الكبيرة يستطيعون تجاوز الخطوات جميعا ويستطيعون الإقلاع عما يريدون عندما يقررون، فِى وثبة كبرى مهما آلمهم ذلك، كما يوحي قول المتنبي:

إذا كانت النفوس كبارا   تعبت فِى مرادها الأجسام  

العادات تبدأ صغيرة

ويقودنا هذا إلى سر من أسرار النفس البشرية فيما يتعلق بالعادات واكتسابها. فالعادة كالنار تبدأ بمستصغر الشرر، ثم تكبر وتكبر.

عادات صغيرة
كتاب چيمس كلير يركز على فكرة البدء بشيء صغير ثم تنميه.

وهذا هو فحوى كتاب (العادات الصغيرة لچيمس كلير- Atomic Habits by James Clear)، الذِى غير حياتِى وسلوكِى بعد قراءته. 

إذ يرى چيمس أن اكتساب عادة حميدة جديدة، أو كسر عادة سيئة لا يبدأ دفعة واحدة، بل ينشأ بسلوك محدود ينمو مع الوقت حتى يصل صاحبه إلى الأمل المنشود.

ودعوني أعطيكم مثالا حيا مما جربته، ولما أزل أمارسه. 

فقد تعرضت ذات مرة لارتفاع شديد فِى ضغط الدم عقب انفعال عاطفي عارض. ولما استمر خروج الضغط عن المعتاد، نصحنِى الطبيب بالبدء فِى تناول أقراص لعلاجه. 

وهنا كانت لِى وقفة طويلة مع النفس. وساءلت نفسِى: 

– هل أستسلم لمرحلة تتعدد فيها أقراص العلاج وتزيد كل حين؟ هذه للكولسترول وأخرى للضغط، وثالثة لـ … و … ؟ 

ثم عكفت على القراءة فِى مسألة ضغط الدم وسبل مواجهتها، وقررت أن أغير نمط حياتِى. 

وكنت أمام خيارين: إما أن أستسلم لقدري (ولست أظنه قدرا، بل ابتلاء عارضا)، وإما أن ألتزم بعدد من العادات التِى ستجعلنِى قادرا على مواجهة ارتفاع الضغط. 

وكان علىّ أن:

  • أقلل من تناول الملح
  • أحد من تناول القهوة العامرة بالكافيين
  • أمارس الرياضة بقدر محتمل 
  • أكون نشطا

وهذا بالفعل ما قررت الالتزام به.

وبدأت أمارس رياضة الجرى لنحو عشر دقائق ثلاث مرات فِى الأسبوع في بداية الأمر. وأخذت أيضا فِى رفع بعض الأثقال الخفيفة فِى ثلاثة أو أربعة تمرينات فرضتها على نفسِى لتقوية عضلات الذراعين والصدر.

بدأت تلك التمرينات بتكرار كل منها خمس مرات يوميا، ولم يكن ذلك عبئا كبيرا. ثم زدت ذلك إلى عشر، ثم خمس عشرة مرة، وزدت عدد التمرينات أيضا، حتى أصبحت أكرر كل تمرين منها عشرين مرة وأصبح عدد التمرينات سبعة. 

وظللت أمارس ذلك فترة ٢١ يوما. وهي الفترة التي يصبح بعدها السلوك الجديد – كما يقول علماء النفس – عادة يكتب لها الثبات.

وعلمنِى ذلك ألا أثقل على نفسِى بما أريد اعتيادها عليه دفعة واحدة، وأن أبدأ بعادة صغيرة، فهذا هو فعلا الطريق الصحيح لبلوغ عادات أكبر.

وما زلت أمارس تلك التمرينات. واستطعت أن أتخلص بفضل الله من أقراص الضغط بعد اعتداله بممارسة الرياضة والحفاظ على النشاط والحد من الملح والقهوة.

ولست فريدا فِى ذلك. 

إذ يستطيع أى منا، بشىء من العزيمة وقوة الإرادة والإصرار أن يغير من حياته، وأن يكسر عاداته السيئة، وأن يلزم النفس بعادات حميدة مفيدة. وهو إن فعل ذلك فسيشعر بلا شك بنشوة الانتصار على النفس، وهذا فِى رأيِى عنوان السعادة.   

للمشاركة على :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.