يبدو أن سن الأربعين هو سن ”الرشد“ فعلا.
ولهذا لم يكن غريبا أن يقرن القرآن الكريم بين الأربعين وبلوغ ”الأشُدّ“ في سورة الأحقاف (آية ١٥) في حديثه عن مراحل نمو الإنسان: ”ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا، حملته أمه كرها ووضعته كرها، وحمله وفصاله ثلاثون شهرا، حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي ..“
وربما كان هذا ما دفعني – عند بلوغي الأربعين – إلى التوقف مع النفس وكأني أنهيت مرحلة وأني على وشك بدء مرحلة أخرى مختلفة. وأخذت أفكر في أكلي وشربي ووزني وحياتي برمتها استعدادا لتلك المرحلة التي أطلت برأسها.
غيّر وزنك بدون “حمية”
في تلك الفترة عثرت على كتاب غيّر حياتي وتعلمت منه الكثير.
فبينما كنت أتجول في قسم الكتب المستعملة في إحدى المكتبات كعادتي الأسبوعية نظرا لارتفاع أسعار الكتب الجديدة، وجدت كتابا صغيرا ربما لا تزيد صفحاته على ١٢٠ صفحة، جذبني عنوانه، الذي كان ”The No- Diet Book“ أي إنقاص الوزن بدون برنامج غذائي.
شدني عنوان الكتاب وسعره الزهيد الذي لم يتجاوز وقتها الجنيهين ونصف الجنيه. وعدت إلى البيت وعزمت على قراءته.
مؤلف الكتاب طبيب وممارس عام مهتم بمعالجة زيادة الوزن، وله أكثر من كتاب في هذه المسألة، وفي الصحة العامة.
كان عنوان الكتاب صادقا فعلا.
فالكتاب كله يعتمد على التحكم في بعض عاداتنا قبل الأكل وخلال إعداده وطهيه وتناوله وبعد الانتهاء منه، بتغييرها واكتساب عادات جديدة، وبالتوقف تماما عنها لنحقق ما نصبو إلى تحقيقه.
عادات سيئة
حينما بدأت في قراءة الكتاب كان وزني قد قارب على الثمانين كيلوجراما، بينما لم يكن طولي يتجاوز ١٧١ سنتيمترا. وكانت بناطيلي جميعها لا يقل قياس الوسط فيها عن ٣٦ بوصة، أي ٩١ سنتيمترا، بل قد يزيد. أي أنني كنت باختصار من أصحاب الوزن المفرط.
كانت المكرونة، والأرز، والخبز اللبناني الأبيض، مكونات أساسية لا تكاد تخلو منها وجباتي. وكنت لا أشرب الشاي أو القهوة إلا بالسكر، ومصحوبة ببسكويت مخلوط بالشيكولاتة.
وكنت أقنع نفسي بأني فعلا بحاجة إلى النوم لساعة بعد الأكل حتى أقوم بعد ذلك نشيطا وأواصل رحلة دراسة الدكتوراه التي شرعت فيها.
وكنت أتنقل من مسكني في غرب لندن إلى الجامعة مستخدما الحافلات العامة التي كان لها محطة لا تبعد أمتارا عن مسكني.
كانت قراءة كتاب مايكل سبيرا بالنسبة إلى، وسط ذلك الروتين اليومي المعتاد، وما يحيط به من أجواء كأنها الرصاصة التي هتكت كل السُتر التي قنعت بالعيش وراءها. وبدأت سوءات عاداتي تتكشف واحدة تلو الأخرى، كلما طويت صفحة أو صفحتين من الكتاب.
ووجدتني أقف في منعطف الأربعين مسائلا نفسي:
”هل سنبدأ معا العقد الرابع لنخطو من بعده إلى الخامس وأنا وأنتِ على هذه الشاكلة؟“
واتخذنا قرار التغيير.
ولم يكن تغيير عاداتي شاقا، بعد أن اتخذت قرار التغيير، وهيأت نفسي للصمود والمثابرة.
عادات حميدة
وكان عليّ أن أعتاد على:
- أن أنزل من الحافلة قبل المحطة القريبة من مسكني بنحو خمس أو ست محطات وأسير على القدمين، متأملا الشوارع والمحال التي كنت ألمحها لمحا من الحافلة، وأستمتع بخضرة الأشجار على جانبي الطريق
- أن آكل في مواعيد محددة إلى حد ما
- ألا أتناول أي شيء قبل موعد الوجبة، أو بين الوجبات
- أن أستعين بطهو الطعام على البخار بدلا من قليه
- أن أستخدم الشوي بدلا من القلي
- أن أستخدم صحونا أصغر حجما لأقنع عيني بالكمية
- أن أقلل الكمية التي أضعها في الصحن وأنشرها فيه ليبدو ملآن
- أن أقلع عن استخدام السكر في مشروباتي
- أن أنهي زيجة القهوة والشاي بالبسكويت والشيكولاتة
- أن أستخدم الدرج والسلالم، ما أمكنني ذلك، بدلا من المصعد
- ألا أتسوق إلا بعد تناول وجبتي فلا اضطر إلى شراء ما يدفعني الجوع إليه
- أن أذهب وأعود في مشاويري القريبة سيرا على الأقدام
وواظبت على عاداتي الجديدة، وتمكنت بفضل الله تعالى من التخلص من حوالي عشرة كيلوجرامات خلال ثمانية أشهر. واضطررت إلى تغيير بناطيلي بعد أن تغير مقاس الوسط لدي درجتين، فأصبح ٣٤ بوصة، أي ٨٦ سنتيمترا.
وشعرت خلال تلك الرحلة بتغير حالتي النفسية يوما بعد يوم، فأصبحت محبا للحياة أكثر من ذي قبل، مفعما بالتفاؤل والإقبال على الدراسة والعمل.
ولما أزل أحتفظ بنسخة ذلك الكتاب في مكتبتي حتى الآن.
وقد تعلمت منه الكثير:
تعلمت أننا نستطيع بلوغ ما نريد في حياتنا بتغيير عاداتنا، وأننا نستطيع التخلص من الوزن الزائد غير المرغوب فيه بلا عنت وبدون حرمان، وبدون اتباع حمية بعينها، أو نظام غذائي بذاته.
وعرفت أيضا أن سبب إخفاق معظم الأنظمة الغذائية، أو الحمية، هو اعتمادها دائما على فكرة ”عقاب الجسم“ وحرمانه من بعض الأطعمة بعض الوقت. وفكرة ”عقاب الجسم“ نفسها قائمة على مفهوم خاطئ، لا يصلح أبدا في التعامل مع نفسك، ألا وهو مفهوم ”بغضك لنفسك ولجسمك وشكله“.
وأصبحت أيقن الآن أن السبيل الوحيد لتغيير نفسك هو حبك لها أولا، وحبك لما حباك الله به. وأن هذا الحب لذاتك ولجسمك ولشكلك هو أول خطوة نحو فعل كل ما يقوي ذاتك وينميها، وكل ما يحافظ على صحة جسمك ويغذيه، وكل ما لا يشوه شكلك الطبيعي المتناسق الذي خلقك الله تعالى عليه.
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.