قد تدفع النظرة السطحية العاجلة إلى موقف الولايات المتحدة من الحرب المستعرة حاليا في غزة، وموقفها من الحرب المتواصلة في أوكرانيا بعض المحللين إلى الحكم بتناقض الموقفين، وازدواجية معايير السياسة الأمريكية.
فبينما تؤيد واشنطن أوكرانيا سياسيا وعسكريا بعد شن موسكو الحرب على كييف، بغض النظر عما دفعها إلى هذا، لتصبح روسيا في نظر العالم دولة معتدية وأوكرانيا ضحية معتدى عليها، نجد الولايات المتحدة تساند إسرائيل وتدعمها بالسلاح والذخيرة، في الوقت الذي تعتدي فيه على أراضي غزة، بذريعة الرد على هجمات حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وغيرها من الفصائل الفلسطينية في ٧ أكتوبر/تشرين الأول، وهي أيضا لما تزل تحتل أراضي فلسطينية في الضفة الغربية.
وإذا قيل إن الولايات المتحدة تؤيد وتدعم الضحية في الحرب الدائرة في أوكرانيا، فكيف نبرر مساندتها للمعتدي في الحرب على غزة؟
لفهم هذين الموقفين اللذين قد يبدوان متناقضين ظاهريا، يجب العودة أولا إلى التاريخ الحديث لتتبع العلاقة الوليدة بين الولايات المتحدة ودولة إسرائيل عند إعلان نشأتها، ثم علاقتها مع أوكرانيا عقب انهيار الاتحاد السوڤييتي وإعلان استقلالها.
ثم يجب ثانيا أن نتعرف على ملامح علاقات الولايات المتحدة بكلتا الدولتين اللتين استخدمتهما واشنطن – في رأيي – لأداء وظيفة أو وظائف بعينها.
وسوف يكون مدخلنا إلى ذلك مفهوم ”الدولة الوظيفية“ الذي سنلقي عليه الضوء في الجزء الأخير من هذا التحليل.
أولا: العلاقات الأمريكية الإسرائيلية
كانت الولايات المتحدة أول دولة تعترف بإسرائيل عندما أصدر الرئيس الأمريكي آنذاك، هاري ترومان، إعلان الاعتراف بها في اليوم نفسه الذي أعلن فيه ديفيد بن جوريون استقلالها وبعد ١١ دقيقة فقط من ذلك الإعلان في ١٤ مايو/أيار عام ١٩٤٨.
وقبل ذلك بعقود أيدت الولايات المتحدة إعلان بلفور عام ١٩١٧، الذي دعا إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين.
وقد يكون ما دفع واشنطن إلى تأييد وعد بلفور هو كثرة أفواج اليهود التي بدأت تهاجر من أوروبا متجهة إلى أمريكا هروبا من الاضطهاد، وطمعا في إيجاد فرص أفضل للعيش هناك.
وقد يكون التماثل في النشأة عاملا وراء دعم الفكرة، إذ إن أساس نشأة الولايات المتحدة كان احتلال أراضي السكان الأصليين في القارة الأمريكية. وهي لذلك لا ترى غضاضة أبدا في الموافقة على منح بريطانيا ليهود أوروبا جزءا من الأراضي التي كانت تحت انتدابها.
وقد لمست نائبة الرئيس الأمريكي، كمالا هاريس هذا في قولها أمام أعضاء أيباك اليهودية في أمريكا في ٢٠١٧: ”أقف مع إسرائيل بسبب قيمنا المشتركة التي تعتبر أساسية جدا في تأسيس كل من بلدينا“.
كما أن فكرة ”أرض الميعاد“ التي تبنتها الحركة الصهيونية وهي حركة سياسية علمانية وليست دينية، أخذت تروج للفكرة لاستقطاب اليهود، ونالت الفكرة قبولا لدى كثير من المسيحيين بوصفها فكرة دينية توراتية، أي أن لها أساسا في كتبهم المقدسة.
وقد عبر عن ذلك القس الأمريكي جون هاغي حينما قال: ”إسرائيل ليست قضية سياسية، إنها قضية توراتية، إنها قضية أساسها الكتاب المقدس. إسرائيل هي الأمة الوحيدة على وجه الأرض التي أنشئت بأمر سيادي من الله“ (برنامج ”ابدأ هنا“: شرح علاقات أمريكا وإسرائيل – الجزيرة).
وقد تطورت العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من مرحلة التعاطف ودعم إنشاء وطن قومي لليهود إلى شراكة تربط تلك الدولة الصغيرة بالولايات المتحدة التي كانت ولما تزل قوة عظمى.
وتتضح هذه الشراكة في تصريحات ساسة البلدين:
الرئيس بايدن: ”نحن نقف مع إسرائيل“.
الرئيس كلينتون: ”ما بيننا وبين إسرائيل هو صداقة أبدية“.
نتنياهو: ”نحن أنتم، وأنتم نحن“
ميتش ماكونيل رئيس مجلس الشيوخ (٢٠١٩ أمام منظمة أيباك اليهودية في أمريكا): ”فكرة المناصرة نفسها ليست سبب الرابطة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. إنما سببها هو التاريخ المشترك والقيم المشتركة التي تجمع أمريكا وإسرائيل معا“.
فرجينيا فوكس (عضوة في الكونغرس – ٢٠١٦): ”إسرائيل منارة للديمقراطية في بحر من العداء“.
وأوجز تقرير كتبه باحثان في معهد واشنطن هما مايكل أيزنشتات وديفيد بولوك عام ٢٠١٢ ”استفادة الولايات المتحدة من علاقتها بإسرائيل“ في عدة نقاط، منها:
- مواجهة النفوذ السوفيتي في الشرق الأوسط، ومناوئة القومية العربية من خلال التعاون الأمني الذي بدأ منذ أيام الحرب الباردة.
- مواجهة قوى التطرف في الشرق الأوسط، بما في ذلك ما يصفانه بالإسلام السياسي والعنف، إذ تعد إسرائيل في نظر واشنطن – كما يقول الكاتبان – قوة موازنة لتلك القوى.
- المساهمة في منع انتشار أسلحة الدمار الشامل في المنطقة عبر إحباط البرامج النووية في العراق وسوريا.
- تقاسم المعلومات الاستخباراتية بشأن الإرهاب والانتشار النووي.
- تطوير تكنولوجيات عسكرية متطورة، مثل أنظمة الدفاع الصاروخي
- التحالف الأمريكي الإسرائيلي ساعد في بعض الأحيان على توثيق العلاقات الأمريكية العربية، بناء على نظرية مفادها أن الولايات المتحدة فقط هي التي يمكنها إقناع إسرائيل بتقديم تنازلات في المفاوضات
ويقول الكاتبان إن الفوائد التي تعود على الولايات المتحدة من علاقتها بإسرائيل تدل على أن تحالفهما لا يعتمد فقط على القيم الديمقراطية المشتركة بينهما، أو مكانة إسرائيل في السياسة الأمريكية، بل يعتمد أيضا على مصالح ملموسة بينهما – وستظل كذلك في المستقبل المنظور.
وبناء على ذلك يمكننا القول إن وجود إسرائيل في وسط العالم العربي، وهو منطقة مهمة بالنسبة إلى الولايات المتحدة من حيث موقعها وثرواتها الغنية، ذو أهمية كبيرة في تحقيق أهداف السياسة الأمريكية، التي ترى نفسها قوة عظمى وتسعى إلى الهيمنة على العالم اقتصاديا وسياسيا وعسكريا في المناطق المهمة، وتهدف أيضا إلى أن يكون لها موطئ قدم في المناطق القريبة من أماكن نفوذ القوى الكبرى الأخرى مثل روسيا والصين.
ثانيا: العلاقات الأمريكية الأوكرانية
اعترفت الولايات المتحدة باستقلال أوكرانيا في 25 ديسمبر/كانون الأول عام 1991، عندما أعلن الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش القرار في خطاب إلى الأمة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي.
وفي عام ١٩٩٤ وقعت أوكرانيا اتفاقا عرف باسم ”مذكرة بودابست“، ضمنت فيه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا أمن أوكرانيا، بعد أن انضمت الدولة المستقلة حديثا إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في العام نفسه، عقب موافقتها على نقل ما لديها من رؤوس حربية نووية وصواريخ باليستية عابرة للقارات إلى روسيا.
كان انضمام الولايات المتحدة إلى الدول الضامنة لأمن أوكرانيا بعد تخليها عن الأسلحة النووية – في رأيي – فرصة انتهزتها واشنطن ليكون لها موطئ قدم قرب حدود روسيا. ومن هنا بدأت تدعم علاقاتها بهذا البلد من أجل توظيفه في بسط هيمنتها في تلك المنطقة المهمة.
ويقول الباحث شيرمان غارنيت (Sherman Garnett) في بحث له عن ”العلاقات الأمريكية الأوكرانية: الماضي والحاضر والمستقبل“ إن العلاقات تطورت بسرعة عقب بدئها رسميا في يناير/كانون الثاني ١٩٩٢، بعد شهر من استفتاء أوكرانيا على الاستقلال. وأصبحت كييف محطة لاستقبال كبار المسؤولين الأمريكيين. وشكلت الولايات المتحدة وأوكرانيا لجنة ثنائية برئاسة الرئيس الأوكراني آنذاك ليونيد كوتشما ونائب رئيس الولايات المتحدة آل غور لمعالجة قضايا السياسة الخارجية والأمن والاقتصاد العالقة. وأصبحت أوكرانيا متلقيا رئيسيا للمساعدة الخارجية الأمريكية. وفي أكتوبر ١٩٩٦، أعلنت الدولتان أن علاقتهما أصبحت “شراكة استراتيجية”.
وبدأت السياسة الأمريكية في إبعاد أوكرانيا خطوة خطوة عن حليفها السابق، وجذبها شيئا فشيئا إلى حظيرة أوروبا الغربية. وهذا ما تؤكده السفارة الأمريكية في أوكرانيا في حديثها عن تاريخ العلاقات بين البلدين، إذ تقول إن: ”سياسة الولايات المتحدة تركزت على جعل أوكرانيا دولة ديمقراطية ومزدهرة وآمنة بحيث تكون أكثر تكاملا في أوروبا والهياكل الأوروبية الأطلسية“.
كما وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق زبيغنيو بريجنسكي، في أوائل عام ١٩٩٤، أوكرانيا بأنها ”ثقل موازن وحاسم مقابل روسيا ويجب أن تكون المحور الرئيسي لما سماه بالاستراتيجية الجديدة الكبرى للولايات المتحدة بعد الحرب الباردة“. وأضاف: ”يجب أن أؤكد بشدة على أن روسيا بدون أوكرانيا لن تكون إمبراطورية، ولكنها ستصبح تلقائيا إمبراطورية بإخضاع أوكرانيا“.
وبعد هذا العرض السريع يمكن أن نخلص إلى ما يلي:
-
* لما تزل الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تسعى إلى الحفاظ على مكانتها بوصفها قوة عظمى وباعتبارها ”القيادة التي تجمع العالم“، كما قال الرئيس بايدن في خطابه إلى الأمريكيين في ١٩ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣
-
* وتقول واشنطن – بحسب ما يروجه ساستها دوما – إنها تحرص على الحفاظ على الديمقراطية ومحاربة الإرهاب في العالم
-
* وتحاول من أجل بسط هيمنتها – أو من أجل ”نشر الديمقراطية“ و”درء الإرهاب“ كما تشيع – أن يكون لها موطئ قدم في مناطق العالم ذات الثروات الغنية، والمناطق القريبة من دوائر نفوذ القوى الكبرى الأخرى، مثل روسيا والصين، لكبح توغلها والحد منه
-
* تستخدم واشنطن في ذلك دول في تلك المناطق توظفها لخدمة مصالحها. وتوطد علاقاتها بتلك الدول، التي تعدها أذرعا لها، تغدق عليها بالمعونات والمساعدات وقت السلم، وتساندها سياسيا في المحافل الدولية، وتدعمها بالسلاح والذخيرة والمعدات العسكرية، إذا واجهت حربا أو تعرضت إلى هجوم. كما أنها تحول بينها وبين إنزال أي عقوبة عليها. وهذا ما يؤكده كلام دانيال ليفي مدير مشروع الشرق الأوسط في الولايات المتحدة: ”الأمر الحاسم في هذه العلاقة هو أن أمريكا هي الضامن لإفلات إسرائيل من العقاب .. على الصعيد الدولي، وقانونيا، .. في الأمم المتحدة، وغيرها بسبب الطريقة التي تعامل بها إسرائيل الفلسطينيين يوما بعد يوم على مدى أجيال“
-
* هذه الدول، مثل إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، وأوكرانيا في منطقة نفوذ الاتحاد السوفييتي السابق، وتايوان في منطقة بحر الصين الجنوبي، هي ما ينطبق عليها وصف ”الدولة الوظيفية“ الذي صاغه الدكتور عبد الوهاب المسيري في كتابه ”الجماعات الوظيفية اليهودية: نموذج تفسيري جديد“
ثالثا: مفهوم الدولة الوظيفية
مفهوم ”الدولة الوظيفية“ هو الأداة التي ستبين لنا ألا تعارض بين موقف الولايات المتحدة من الحرب في أوكرانيا، وموقفها من الحرب في غزة، وهذا ما أختم به هذا التحليل.
لكن ما المقصود بذلك المفهوم؟
استخدم المفكر المصري الدكتور عبد الوهاب المسيري مصطلح ”الدولة الوظيفية“ في عنوان الفصل الحادي عشر من كتابه السابق: ”الدولة الصهيونية الوظيفية“.
وتعد فكرة الدولة الوظيفية امتدادا لمفهوم ”الجماعات الوظيفية“ التي كرس المسيري فصول كتابه لشرح المقصود من ورائها، وأسباب ظهورها في المجتمعات، وما تؤديه من وظائف. ومن هذه الجماعات مثلا المرابون، والعاملون في البغاء، والمحاربون المرتزقة، والمماليك، والحراس، وغيرهم. وهي جماعات إما داخلية وإما خارجية تستجلب من خارج البلاد، وتتسم بالانعزال عن المجتمع، ولا تنخرط مع أبنائه لأنهم على الأغلب منبوذون بسبب الوظائف التي يؤدونها. وتقوم علاقتهم بالمجتمع على التعاقد لأداء وظيفة ما والحصول على عائد ونفع مادي في المقابل. ويرى المسيري انطباق معظم هذه السمات جميعا، من وجهة نظره التحليلية، على الجماعات اليهودية في العالم، خاصة أوروبا، ثم على إسرائيل وهي الدولة التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لضم تلك الجماعات اليهودية.
ويقول المسيري إن أهم وظيفة للدولة الصهيونية الوظيفية هي القتال. إذ إنشئت – كما يقول – لتكون خط دفاع أول لإنجلترا، لا سيما فيما يتعلق بقناة السويس. وهذا الدور القتالي الذي تؤديه هو ما سموه بـ”الدفاع المشروع عن النفس“، كما سموا قواتها الاستيطانية بـ”جيش الدفاع الإسرائيلي“، وأصبح اغتصاب فلسطين ”إعلان استقلال إسرائيل“.
وكانت أوروبا قاعدة النشاط الصهيوني المركزية، ثم تحول النشاط إلى الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وكان الدعم العسكري والاقتصادي متواضعا – كما يقول المسيري – حتى منتصف الستينيات، ثم أصبح تنسيقا استراتيجيا متكاملا في عهد الرئيس ريغان بعد أن وقعت إسرائيل اتفاقية تعاون استراتيجي عام ١٩٨١، وأعلنت بعدها ضم مرتفعات الجولان، ثم اجتاحت جنوب لبنان. وبلغ التعاون الاستراتيجي العسكري ذروة أخرى بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول ١٩٧٣، حتى حدث هجوم حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى على مستوطنات غزة في ٧ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣، فبلغ ذروته القصوى بعد مساندة الرئيس بايدن غير المسبوقة لإسرائيل سياسيا وعسكريا.
ولم يكن وقوف بايدن مع إسرائيل ودعمه لها بشتى أنواع الدعم غريبا، لأنها رأس الحربة للولايات المتحدة وللغرب، والدولة الوظيفية التي تخدم مصالح واشنطن والغرب، وتقاتل ”الإرهاب“ نيابة عنهما نظير الدعم السياسي والدبلوماسي والدولي والمعونات المالية والمساعدات العسكرية الجمة.
ومهما كانت تصريحات بعض الساسة الأمريكيين بشأن حقوق الفلسطينيين، وحل الدولتين، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية لهم ولسكان غزة، فإنها لم تكن لتدفع واشنطن أبدا إلى تأييد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي ترى أنها حركة إرهابية، أو الاصطفاف وراءها، بينما ترفع أمريكا راية مكافحة الإرهاب في العالم أجمع، وتدعمها إسرائيل في ذلك في منطقة الشرق الأوسط.
وكان من المنطقي، بل مما يتفق مع مسار السياسة الخارجية، والمصالح الاستراتيجية الأمريكية أن تدعم واشنطن إسرائيل وتؤيدها في حربها على الفصائل الفلسطينية، دون التفات أبدا إلى أنها دولة محتلة. إذ إن سياسة الولايات المتحدة نفسها لا تولي اهتماما لمسألة احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في موقفها من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لأن الأهم لديها في هذا الصراع هو مناصرة إسرائيل، الحليف الذي يخدم مصالحها.
بل كان ثمة محاولات من جانب الولايات المتحدة لمحو فكرة الاحتلال من أذهان الناس. وهذا ما قاله الصحفي البريطاني روبرت فيسك في إحدى محاضرته على موقع يوتيوب عندما روى أن كولن باول أصدر تعليمات خلال توليه منصب وزير الخارجية إلى موظفي الوزارة بألا يستخدموا تعبير ”الأراضي المحتلة“ عند الحديث عن الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، وأن يستخدموا بدلا من ذلك تعبير ”الأراضي المتنازع عليها“.
رابعا: لا تعارض بين موقفي واشنطن
وهذا يبين لنا أن موقف واشنطن من حرب إسرائيل على غزة لم يكن أبدا – في ضوء مفهوم الدولة الوظيفية – غريبا أو غير متوقع، أو يدل على ازدواجية في المعايير، إن قارناه بموقفها من الحرب في أوكرانيا.
والحقيقة أن موقف واشنطن من الحربين في أوكرانيا وفي غزة متسق تماما مع سياستها الخارجية، ومصالحها الاستراتيجية، التي تكرس وضعها بوصفها دولة عظمى تسعى إلى الهيمنة في أنحاء العالم، خاصة في المناطق الغنية، ومناطق نفوذ القوى الكبرى الأخرى.
ومن أجل تحقيق ذلك تستخدم الولايات المتحدة بعض الدول وتوظفها لخدمة مصالحها. ولا تترك واشنطن تلك الدول وحدها حينما تتورط في حرب أو صراع. وهذا ما فعلته مع أوكرانيا حينما شنت روسيا حربا عليها في فبراير/شباط عام ٢٠٢٢. وهو نفسه ما التزمت به عندما هاجمت حماس أراضي غزة المحتلة فيما يسمى ”غلاف غزة“ في ٧ أكتوبر، وشنت إسرائيل حربا على غزة.
وليس غريبا أن يكون رد فعل الولايات المتحدة واحدا من الحربين، لأن كلتا الدولتين في الحالتين ”دولتان وظيفيتان“ تخدمان المصالح الأمريكية. ومن اللافت للنظر أن عددا كبيرا من السكان في إسرائيل وأوكرانيا من الجماعات اليهودية الأوربية التي كانت تعرف – كما يقول المسيري – بالجماعات الوظيفية اليهودية.
وفي سبيل ذلك قد يضحي الساسة الأمريكيون بسمعة بلادهم، وما قد تتهم به من مناصرة المعتدي، وازدواجية المعايير، وغض الطرف عن حقوق الفلسطينيين.
لكن، هل يستطيع الساسة تحمل التضحية لمزيد من الوقت مع استمرار المجازر التي ترتكبها إسرائيل في غزة كل يوم، والمظاهرات العارمة المؤيدة للفلسطينيين داخل الولايات المتحدة وخارجها؟
مرتبط
اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.