يوميات رجل عادي: “اغتنم خمسا قبل خمس” وقتل آفة “التسويف”

مارس الرياضة وفكرة الممارسة ملحة في ذهنك

جاء في حديث يُنسب إلى النبي الكريم عليه السلام، وقيل إنه كان يعظ فيه رجلا، بحسب ما أوردته بعض كتب الحديث النبوي: ”اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناءك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.“

تذكرت هذا القول المأثور صباح اليوم بعد أن صليت الفجر، وكانت قد ألحت علي فكرة الشروع في ممارسة بعض التمرينات الرياضية التي اعتدت على ممارستها من وقت لآخر في أيام الأسبوع.

وقررت أن استجيب للفكرة الطارئة في حينها، وهي لما تزل تلمع في ذهني، وأنهيت تمريناتي، وأنا يملأ صدري شعور بالارتياح و“الإنجاز“. ثم جلست أفكر.

بالأمس وقبل الأمس، كانت تراودني الفكرة نفسها في بواكير الصباح كل يوم لكني كنت أطردها، ولا أنصاع لها، معللا النفس بأن اليوم طويل وثمة متسع لممارسة التمرينات ظهرا، أو عصرا، أو حتى مساء.

وكانت تشغلني أمور، وتلهيني أمور، وتمر الساعة تلو الساعة، وينتهي بي اليوم دون أن أمارس تلك التمرينات، وقد أفعم صدري بشعور جاثم بالخيبة.

كنت أستكين إلى ذلك بالرغم من أني أدرك مدى فائدة تلك التمرينات العظيمة بالنسبة إلي في سعيي إلى تنشيط عضلاتي وتقويتها حتى أقوى على ممارسة مهامي وأنا صحيح معافى.

كنت لا أقاوم ذلك وأنا أدرك أن مكافحة ”الدهون في أجسامنا لن يكتب لها النجاح ما لم تزاحمها العضلات“.

كان ”التسويف“ هو الآفة التي نخرت خلايا عقلي، وظهرت أعراضها، ليس في إرجاء ممارسة التمرينات فحسب، بل في إرجاء أداء بعض المهام اليومية، وإرجاء إنجاز الأعمال المهمة.

الساعات تمر، والأيام تجري، ونحن لا نشعر بكرها ومرورها، والآفة تنخر، وشعور الإحباط يزداد معها يوما بعد يوم، حتى تنبهت إلى هذا القول المأثور: ”اغتنم خمسا قبل خمس“، وتدبرت معناه العميق.

إنه فعلا عمدة في التنمية البشرية، وفي إنجاز المهام والأعمال في وقتها، ودرس عبقري في سرعة الاستجابة، وقتل آفة ”التسويف“.

وهو أيضا عماد النجاح في كل نواحي الحياة باستغلال ما في يدك وأنت تستطيع قبل أن يفوت الأوان وتصبح غير مستطيع. فنحن لا نعرف ماذا يخبئ لنا الدهر والأيام.

فإن اعتدت على ممارسة الرياضة، فلتفعل ذلك عندما تلح عليك الفكرة، في بداية يومك، قبل أن يفقد الإلحاح التهاب جذوته، وتتفلت من بين أصابعك دقائق الزمن كتسرب حبات الماء من الكف.

وإن اعتدت على تخصيص جزء من وقتك للقراءة، أو الكتابة، أو لأي فعل آخر، فلتفعل ذلك في بواكير اليوم والفكرة ملحة، قبل أن يشغلك عنها العمل أو المهام اليومية الأخرى.

وإن أردت إنجاز مهمة، أو بلوغ هدف، فلتكتبه على الورق، وتقسمه إلى أجزاء صغيرة، ملزما نفسك بإنجاز جزء منه كل يوم حتى تنتهي منه برمته.

وليكن شعاري وشعارك من الآن ”ألا نؤجل عمل اليوم إلى الغد“، فنحن لا ندري ماذا يخبئه لنا الغد.

وعلينا أن ”نغتنم خمسا قبل خمس“، حتى نملأ صدورنا بمشاعر الرضا عن الإنجاز، وألا نخنقها بمشاعر الخيبة والإحباط إن استسلمنا لآفة ”التسويف“.


اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

للمشاركة على :

اترك تعليقك

البحث

محمد العشيري

عملت محاضرًا في اللغة والثقافة العربية في جامعة برمنجهام البريطانية. درَستُ علم الأصوات اللغوية وعلم اللغة وتخصصت فيهما، ثم درَّستهما فيما بعد. وتشمل مجالات اهتمامي علوم اللغة العربية، والخطاب الإسلامي، واللغة في وسائل الإعلام. عملت أيضًا في جامعة وستمنستر في لندن، وجامعة عين شمس المصرية في القاهرة. وعملت مذيعا ومقدم ومعد برامج في هيئة الإذاعة البريطانية. من بين مؤلفاتي: “أصوات التلاوة في مصر: دراسة صوتية، و“عربية القرآن: مقدمة قصيرة”، و”كتاب الزينة في الكلمات الإسلامية والعربية لأبي حاتم الرازي: دراسة لغوية”. ونشرت مجموعة قصصية تحت عنوان “حرم المرحوم” وكتبا أخرى.

اكتشاف المزيد من أَسْرُ الْكلام

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading